د. مسعود فکري- خبیر سیاسي
لم تكن الحروب و الصراعات البشرية منذ تواجد بني الإنسان على المعمورة ظاهرة غريبة لديه.فبكل أسف لا تخلو أي فترة من حياة الإنسان من المشاهد الدامية إثر تناصل السيوف و تقاذف الرماح و تشابك الأسنة والتي ما تخلف إلا جثامين القتلى و أشلاء الجرحى.
لكن ما يميز مدى ضراوة هذه الحروب ووتيرتها هو الأسباب المؤدية إلى شنها واستمرارها كما يعود إلى نطاقها وتداعياتها. فمع غض النظرعن تصنيفها في الهجمات و الاعتداءات الظالمة التي أشعل فتيلها ذوي الطموحات السلطوية وأصحاب الغطرسة بدوافع توسعية لا يعتبرون النفوس التي اختلست والدماء التي أريقت إلا ثمنا رخيصا يدفعونه على حساب الآخرين لوصولهم إلى عروش الحكم و تسلمهم مقاليد السلطة ،فهذا مما اعتادت عليه البشرية بكل معاناته من هذه الظاهرة المشؤومة لكن ما يزيد في وطأة الحروب و خطورة آثارها هو اجتياز المعايير الانسانية وانتهاك حقوق الإنسان وتدنيس حضارته العريقة التي ساهمت الأجيال المتتالية و المجتمعات البشرية في خلقها وتكونها وبقاءها وعطاءها .
نعم صحيح إن شظايا الحرب تحرق كل ما تعترض طريقها ولا ترحم صغيرا ولا كبيرا لكن هل هناك من يدير الحرب متمتعا بملامح إنسانية و نفسية فوق المطامع المادية وضمير يقظ يميز بين قتل الأبرياء والعزل من النساء والأطفال وبين قتال العسكريين والجنود المتزودين بالدروع والأتراس و الأسلحة؟وهل هناك التزامات اخلاقية منبعثة من صميم الإنسان ولا المفروضة عليه وفق التصالحات العرفية المرهونة بالمصالح تجبرالقائمين على الحروب بمراعاة المعايير الإنسانية والحفاظ علي التراث البشري العظيم؟
فعندما نسمع عبر المحطات المسموعة أو نشاهد عبر القنوات المرئية أخبار التدمير في الحرب على غزة المضطهدة بنطاقها الواسع والتي ترتكبه الصهاينة في هذا القطاع بشكل خاص وفي فلسطين المحتلة وأرض الأنبياء بشكل عام في الفترة الراهنة كمثيلاتها في الماضي ،و الذي يجتاح كل المعالم الإنسانية و المدنية بدءا بالمستشفيات ودور العجزة ورياض الأطفال وانتهاءا إلى الجوامع والكنائس والمعالم الأثرية التي لا ذنب لها إلا أنها تحمل سمات العصور التاريخية المتلاحقة لبني الإنسان مع الغاء الفوارق العرقية و الدينية و الجغرافية ندرك مدي همجية المتورطين والمتوغلين في إضرامها وتوسيعها.
فمما يجدر بإثارة وخز الضمير وتنشيط أقل مستوى من الشعور الإنساني الملتزم لدى كل من يتمتع بشيء من الحرية والوعي والقيم الإنسانية أن هذه الحرب الضارية غير المتعادلة والتي لا تضع أوزارها الا بتحولها إلى ماساة تأتي على الرطب واليابس ولا تبقى عند حدودها في مقتل العشرات بل المئات والآلاف من المواطنين العزل والأبرياء بل كأنها تريد أن تقتل مفهوم الإنسانية بكل ما لها من مضمون. فهل الحرب على غزة تقتل الإنسان أم تقتل الإنسانية؟
یکشنبه 17 دی 1402
کد مطلب :
214767
لینک کوتاه :
newspaper.hamshahrionline.ir/Mjx0Q
+
-
کلیه حقوق مادی و معنوی این سایت متعلق به روزنامه همشهری می باشد . ذکر مطالب با درج منبع مجاز است .
Copyright 2021 . All Rights Reserved